تبدأ بإختلاط الشوارع عليك فلا تتذكر أيها وجهتك، لا تهتم، جميعنا ينسى وربما لا تمرّ من هنا كل يوم ، تلتمس العذر لنفسك وتستمر في مشيك، ثم تبدأ بنسيان أسماء الشخصيات العابرة ، أيضا تلتمس العذر لنفسك فلا تقابل فلانا كل يوم.

تكبر قليلا .. لا تلاحظ أن ثمة من اعتادك عبوسا كئيبا غارقا في همومك فيبدأ في تجنبك .. يتباعد من حولك شيئا فشيئا .. لا أحد ينقصه المزيد من الهموم والطاقة السلبية .. تلتمس العذر لهم هذه المرة .. الأيام صعبة على الجميع ، ولست طفل أحدهم .. تمتنع عن المناسبات ولا تحضر.

في التجمعات ، تقل حماستك ، وروحك الخفيفة شيئا فشيئا عن الظهور ، وتغوص أكثر في الداخل ، تبدأ النساء في تفسير نظرتك الشاردة المطلة إلى داخلك في الأساس وغارقة في ذكرياتك على أنها ( حملقة ) إلى جمالها الطاغ ، أو ( تحرش ) غير لائق ويبدأ البعض في أخذ فكرة أنك كاذب إذا أنكرت أنك رأيت فلانه في المكان الفلاني رفقة فلان في وضع حميمي وكنت تحملق إليهما ، أو كانا يظنان أنك – بالفعل – كذلك ، وأنك من أذعت أخبارهما ، شخصيات لا تذكر أسمائها من الأساس ، وبالكاد قد تتذكر المكان الذي يقصدانه ولولا أنك في ذلك اليوم قد حجزت تذكرة قطار لا تزال في جيبك ، أو صرفت شيئا من المال لاحظت نقصانه بالفعل ، لأقسمت أنت الآخر أنك لم تذهب إلى ذلك المكان أصلا ! غاية الأمر أن أحدا ما شاهدك في المكان صدفه ، ففسر كل شيء على هواه ، وربما كانت ذاكرته الأفضل في كل حال سببا وجيها لأن تصدقه هو ، وتكذب نفسك ..

أحقا كنت أحملق ؟! ربما ..

في المنزل .. تشعر لدى عودتك للوهلة الأولى بأنك تاركه منذ عامين ، لا عدة ساعات ، أشياء كثيرة لم تلمسها منذ زمن ، الأدوات الرياضية ، أواني الطعام ، وحتى مرآة الوجه في الحمام لم تنظر إليها منذ بدا شكلك يختلف كثيرا عن السابق فلم تعد تهتم بالنظر إليه قبل خروجك!

تبدأ أيامك بالإمتزاج بما يشبه قالب التصنيع ، لا تتوقع أن تخرج الآله في المصنع قالبا مختلفا في كل مرة تكبسها على المنتج ، الشكل معد مسبقا بكل تفاصيله ، فلابد أن يخرج المنتج كما تم تصميمه ، يخونك العدد في الأخير .. فلا تدري أخر السنة .. كم عشت فيها من لحظات مختلفة .. أو كم عشت فيها من الأساس .. ومع المزيد .. تجلس فجأة تتحسس السنوات في تجاعيد وجعك .. أين ذهبت ؟ وكم أخرجت تلك الآله -التي لم تعد تهتم بالعد ورائها- من سنوات تشبه بعضها بعضا تماما .. حتى تفرغ الآله مخزونها .. فتقف من تلقاء نفسها .. تماما كما كانت تعمل من تلقاء نفسها .. وأنت هناك .. عاجز تماما .. عن مجرد تذكر العدد .. فترجع مرة أخرى تصدق ما يخبره الآخرون الأقوى ذاكرة .. وتكذب نفسك .. إذا أخبرك أحدهم (( شكلك يدي .. اممممم .. أربعين ))

– أحقا ؟! ربما ..
محمد سلامه