ورثَ سليمانُ أباهُ داوودْ
وريثَ نبوةٍ ومُلكٍ محمودْ
في بني إسرائيل، سلالةِ العهودْ
فكان نورًا لهم، كفجرٍ مولودْ
يشع بالدجى، ويبدّد الغيومْ
سطوعُ إيمانٍ بمملكةِ العدلِ المنشودْ
كليلٍ دامسٍ تنيره النجومْ
قال تعالى:
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}
— سورة النمل، الآية 16
وكان سليمانُ كثيرَ التعبّدِ،
شاكراً نعمَ اللهِ قيامًا وتهجّدِ،
يرتشفُ من الدعاءِ السكينة،
حاربَ الظلمَ ونصرَ الدينَ بالجهادِ،
فأحبّ الصافناتِ، خيرَ الجيادِ،
خيولٌ تقف على قوائم ثلاث،
وترفعُ الرابعة إيقاعاً بثبات،
لتزرع حبها في سليمان بطمأنينة
كان نبيا، لكنه انسان بطبيعته
ثم جاء اليومُ الذي عرضت عليه الخيول،
فانشغل بفتنةٍ خيرٍ تجول،
نسي ذكرَ مولاه حتى إذا أفاق،
من سهوته ضربَ السوقَ والأعناق،
وخفقَ فؤاده بندمٍ لا يُطاق،
فبكى على لحظةٍ ضيّعت نورَهْ،
فعادَ إلى السجودِ يرجو مغفورَهْ.
حينها انفتح بابُ التوبة، فاستعاد نورَ الإيمان وصفاء القلوب،
قال تعالى:
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}
{رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}
سورة ص، الآيات 31-33:
ومع هذا الندم والتوبة، أبدى سليمان إجلالًا للخالقِ وهيبة،
فكان أجرُ اللهِ عظيمًا، بسخاء،
سخّر لسليمانَ الريحَ رخاء،
يركبها حيثما شاء،
يأمرها، فتكونُ بساطًا في السماء،
كخيولٍ مسرجةٍ تجري في الفضاء.
قال تعالى:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}
(سورة سبأ، الآية 12)
وبفضل الله، وهب لسليمان علمًا،
فضلاً، حكمةً، وحلمًا،
علّمه منطقَ الطيرِ تكريمًا،
كي يكون بخلقِ اللهِ رحيمًا.
ومن هنا، انفتح لباب الحكمة،
قال تعالى:
{وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۚ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}
(سورة النمل، الآية 16)
ذلّل الله الريحَ لسليمانَ،
وعلّمه منطقَ الطيرِ برهانا،
وسخّر لهُ الإنسَ والجانَ،
وكانَ سمعُهُ كلامَ نملةٍ بيانًا.
وفي لحظةِ التأمل، تجلّت قدرةُ اللهِ في أصغرِ خلقه
نطقتِ النملةُ بحكمةٍ سامية،
أنذرتْ قومها كأمٍّ راعية،
قالت: احذروا الجيوشَ الآتية،
فترك النملُ منازلَهُ اتقاءً للخطر،
كما يفعلونَ نجاةً من المطر،
وما اتّهموا الجيش، فما شعر،
بصغرِ حجمِها، واللهُ بعطفِه نصر،
سمعها سليمانُ، فاستبصر،
خلقَ الرحمن، فكان الردُّ بسمة،
شكرًا لله، مُلهمِ الرحمة.
قال عز وجل ؛
حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِى ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌۭ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ • فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًۭا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًۭا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ
(سورة النمل، الآيتان 18–19)
وفي ظل هذه النعم، كان عهد سليمان زمنَ قوةٍ ونفوذ
جنٌّ مُؤتمرون، خدمٌ وجنودْ،
يبنون القصور، ويغوصون البحار.
ريحٌ صاغرةٌ، ناقلةٌ بلا حدودْ،
تطوف الجبال والأنهار.
وطيرٌ بأمرِه تمضي وتعود،
تُخيم في السماء كظلال الأشجار.
ومن نعم الله الجليلة، أُعطي سليمان معجزةَ النحاس،
سال له كالنهرِ دون مقياس،
فسبكَ الدروعَ لباسَ المهابة،
وشيّدَ القصورَ بهاءً ورحابة،
وأرسى المساجدَ قبلةَ العبادة.
قال تعالى:
﴿وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌۭ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌۭ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُۥ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ ۖ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾
(سورة سبأ، الآية 12)
وذات يومٍ غابَ الهدهدُ عن سُليمان،
فتفقّدَ الطيرَ، وأدركَ النقصانْ،
فتوعّدَهُ النبيُّ بالجزاءْ،
عذابًا، أو ذبحًا، أو نجاةً ببرهانْ.
وكان خلاصُهُ حديثُ سبأٍ،
وقومٍ يعبدونَ الشمسَ هيمان.
قال تعالى:
﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾
﴿سورة النمل، الآية 22﴾
سمع سليمان حديثَ الهدهدِ،
عن بلقيسَ ونعمٍ كالشهدِ،
ملكةً على قومٍ سجدوا للشمسِ،
بعرشٍ مهيبٍ في الضلالِ منغمسِ.
قال تعالى:
﴿إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍۢ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ • وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ﴾
سورة النمل، الآية 23.
وكان سليمانُ النبيُّ حكيما،
سديدَ الرأيِ، راجحَ العقلِ قويما.
أتى الهدهدُ برسالةِ هدى،
لمن يعبدونَ شمسًا سُدى.
بلغَ بلقيسَ خطابُ النبأ،
فاجتمعتْ بأشرافِ القومِ والملأ،
لاستشارتهم في دعوةِ الإيمان،
قال تعالى:
"يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ"
﴿سورة النمل، الآيات 29–31﴾
يتبع